السلام عليكم و رحمة الله:
البرمجة اللغوية العصبية (الحلقة الأولى)
ترددت كثيرا في كتابة هذا الموضوع المرهق الذي استغرق مني وقتا لم يستغرقه مقال من قبل.ظللت كذلك فترة طويلة أحدث نفسي و أحاورها لأقيم موضوع المقال تقييما متوازنا حسبما تراءى لي.بداية و حتى أكون صريحا مع قارئ هذا المقال علي أن أذكر نقطتين هامتين:
1- كاتب هذا المقال يعمل في الدعاية لنشاط بالجامعة يقوم أساسا على تعليم البرمجة اللغوية العصبية أي أنه محتك بشكل مباشر بهذا الجو و تعامل مع المعجبين بهذه البرمجة و حضر بعضا مما يسمونه "تدريبات" و إن لم يحتك بشكل مباشر بقءة الكتب أو حضور محاضرات نجومها اللامعة لكن كما قال الدكتور أحمد خالد توفيق الأمر ليس كهانة و لا معقدا كما سيتضح من المقال.
2- لن أتكلم عن الجزء الميتافيزيقي المتعلق بهذه البرمجة و كذلك ما يدعى بالتنويم بالإيحاء أو الجزء الخاص بالعلاج النفسي لجهلي بهذا الأمر و أود لو أن أحدا لديه علم بهذه الأمور أن يفيدنا ليكون لدينا موضوعا متكاملا.
حسنا الآن يمكنني أن ادخل في صلب الموضوع و لأنه موضوع دسم فيجدر بي أن أقسمه لعدة نقاط:
1- خلفية تاريخية عن نشأة هذا "العلم" حسب وصف المقال الموجود في الويكيبديا:
بدأ في منتصف السبعينيات الميلادية على يد العالمين الأمريكيين جون غريندر و ريتشارد باندلر الذين قررا وضع أصول Neuro Linguistic Programmin أو الـ NLP كعلم جديد أطلقا عليه اسم برمجة الأعصاب لغويا وكان ذلك في 1973 وبتشجيع من المفكر الإنكليزي والأستاذ بجامعة سانتا كروز ( جريجوري باتيسون)، كماوأسهم معهم في وضع هذه البحوث كل من جودث ديوليزيلر و لزلي كامرون باندلر. وقد بني جريندر وباندلر أعمالهما على أبحاث قام بها علماء أخرون أشهرهم العالمان اليهوديان الأمريكي نعوم شومسكيوالبولندي ألفريد كورزبسكي وذلك لنمذجة مهارة كل من ملتون إركسون ( طبيب التنويم المغناطيسي ) وفرجينيا ساتيروفرتز برلز (مؤسس المدرسة السلوكية ،إذ أمكنهما من تفكيك هذه الخبرات والحصول عليها وقد استخرجوا 13 أسلوبا لملتون و7 أساليب لفرجينيا ومن هذه المهارات استطاعوا تعريف الوسائل الناجحة المتكررة من النماذج السلوكية للذين تعودوا الحصول على النجاح وكانوا قادرين على إنجاز هذه النماذج وتعليمها للآخرين ، وهي النماذج التي سميت فيما بعد بالنماذج اللغوية العصبية والتي تكون منها هذا العلم. والحقيقة أن أهم ما توصل إليه هذان العالمان أن الناس يتصرفون بناء على برامج عقلية ، ولهذا فإننا لا نعتبر ما قدموه علما مستقلا، ولكن الابداع الحقيقي في علم البرمجة اللغوية العصبية هو في التركيبة التي ركبوها.
1.جون غريندر، وهو عالم لغويات من أتباع المدرسة التوليدية التحويلية التي أسسها اللغوي والسياسي الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي .2.ريتشادر باندلر : وهو رياضيٌّ وخبير في الحاسوبيات ودارس لعلم النفس . وكان لهذين دور رئيس في اكتشاف أهم وأول فكرتين من أفكار الـ NLP. فإلى جريندر يعزى الفضل في اكتشاف فكرة (نمذجة) المهارات اللغوية. وإلى باندلر يعزى الفضل في اكتشاف فكرة البحث عن الحاسب في عقول الناس.
هنا لدينا وقفة !إذا كان الأول خبير لغويات و الآخر خبير في الحاسوبيات فيمكننا إذا تطبيق المثل الشهير "كل يرى بعين طبعه" فماذا سيرى خبير الحاسوبيات في مخ الانسان سوى حاسوب يمكن بركجته و تغيير البرامج الموجودة به ؟لكن أن تفرض هذه "الفلسفة" و تقدم على أنها علم فهذا أمر غير مقبول على الاطلاق لأنها لم تأت بفتح لم يأت به الأولون كما سيتضح فيما بعد.
قبل أن ننتهي من الخلفية التاريخية هناك ملاحظة لطيفة أوردتها الويكيبديا تقول عن الخبيرين سابقي الذكر:
بعد سبع سنوات من تأسيس هذا العلم على يد جريندر وباندلر وقع تنافس غير حميد بينهما فيمن يسجل هذا العلم باسمه كعلامة تجارية محتكرة ، هذا التنافس أورث انشقاقا فافترقا وصار كل منهما يعلم بطريقته ، وقد أدى هذا إلى انتشار المعلومات التي كانا يريدان الاحتفاظ بها سرا وتقديمها لمن يدفع أكثر ! وربّ ضارة نافعة ، و ( مصائبُ قوم عند قوم فوائدُ ) لقد كان هذا التنافس فاتحة خير على العالم ، فقد صار كل فريق يحاول أن يجتذب إليه أنصارا ومعجبين ، فصار يقدم عروضا أكثر ، ويكشف أسرارا أكثر ، فانتشر العلم وتداوله الناس وشاع في أوساطهم . غير أن التنافس أدى أيضا إلى آثار غير حميدة ، ففي سبيل الكسب السريع ، بدأ البعض يقدم مغريات لا أخلاقية ، وظهرت دعايات من نحو : كيف تغوي الجنس الآخر ؟ كيف تجري الصفقات مع من لا يريد ؟فلنغض الطرف عن المثل الشهير "إذا لم تعجبك الرسالة فهاجم صاحبها" لأن كل شئ يمكن تبريره على ما يبدو بل ربما وصفه بأنه "فاتحة خير على العالم" كما قال صاحب المقال في الويكيبديا!
2-الفكرتان الأساسيتان في هذه البرمجة:
2-1-نمذجة التميز البشري:نقلا عن منتدى من منتديات البرمجة اللغوية يدعى منتدى "مهارتي" و أظنه كافيا لما فهمته في التدريبات التي حضرتها :
النمذجة السلوكية المتقدمة هي عملية إستخراج وتشفير ونسخ و زرع التميز البشرى. وهي تركز على مجموعة من العناصر الأساسية مثل : القيم والمعتقدات والتوجهات وعلم وظائف الأعضاء والاستراتيجيات. والاستراتيجية هي تعاقب معين للأنظمة التمثيلية التي يقوم بها الإنسان من أجل تحقيق نتيجة أو حصيلة معينة. والأجزاء المحورية في الاستراتيجية هي النظم التمثيلية التي يتم استخدامها والنتائج التي يتم تحقيقها باستخدام هذه النظم داخل إطار معين
ياإلهي! إنه فتح جديد حقا.عزيزي القارئ انس السفسطة المكتوبة بأعلى أو هرش المخ حسب تعبير دكتور أحمد خالد توفيق و "فلسفة" المبرمج الذي "رأى كل شئ بطبعه" عن نسخ البرامج و استنباطها.هل فعلت؟حسنا دعني ألخص لك ما بأعلى في كلمة واحدة:القدوة!نعم إنها القدوة فعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حين قال النبي صلى الله عليه و سلم أن سعدا بن أبي وقاص رضي الله عنه من أهل الجنة ,اختلق عبدالله نزاعا وهميا بينه و بين أبيه ليبيت عند سعد فيقف على ما يفعل من عبادات (لم أكن أعلم أن الصحابي الجليل على علم بالنمذجة السلوكية المتقدمة !)
هنا يقول متحمس بصوت عاليا: "ألم أقل لكم إن البرمجة اللغوية لا تتعارض مع الدين!"حسنا فلم لا نكتفي بالدين إذا لو كان الأمر هكذا.أما أن يتفرغ رجل ما لدراسة المتميزين في العالم و الحديث عن مهاراتهم و العادات التي ساعدتهم للنجاح الذي حققوه-و هو أمر محمود لا ريب- فهذا يفعله المؤرخين المتعمقين منذ الأزل .
حتى المنهج القرآني في قراءة التاريخ لم يعطي اهتماما لأسماء أو تواريخ الاهتمام كله كان على العبرة و العظة فيقول تعالى " إن في ذلك لعبرة لمن يخشى".لكن طبعا حين يقوم شخص ما بذات الدور و يتحدث عن "النمذجة السلوكية المتقدمة " فهو علم بالطبع لا يناقش فيه و فتح جديد و محاضرات لا تنتهي عن هذه الفكرة الخارقة!
تستنكر و تمتعض من كلامي أن هناك من يعتقد أنها "خارقة النجاح" فاستمع إذا لقصة وردت في منتدى يسمى "منتديات البرمجة اللغوية العصبية" :
((اثنين من مدربي البرمجة اللغوية العصبية في أمريكا .. تفقا على أن يقدما خدمات للجيش الامريكي .. واتفقا على ان ينمذجا مهارة القنص .. واتفقا على موعد محدد ليذهبوا فيه للجيش ويعرضوا خدماتهما ..
وبتقدير قادر .. حصلت ضروف لأحدهما فلم يستطع الحضور ... والاخر ذهب للجيش لكنه لم يكن قد أمسك مسدسا من قبل ..
سألهم عن فترة تدريب المجموعة الجديدة من القناصين .. فإخبروه أن المجموعة المكونة من 200 قناص ينبغي أن يتدربوا على مدى ستة أشهر ..ثم سألهم كم من هؤلاء المتدربين يصبحون قناصين أكفاء ؟؟أجابوا بأنه يمكن أن يكون منهم الثلث والثلث كثير ..
ثم قام بدراسة أمهر القناصين لدى الجيش الامريكي ..
وأصبح الجيش الان يدرب على مهارة القنص لمجموعة مكونة من 200 شخص خلال اسبوعين فقط .. ويصبح المتدربين أفضل من القناصين السابقين في الجيش الامريكي ...
إنهم يستخدمون النمذجة في تدريبهم ... وهذا هو السر))
هذه القصة اللطيفة جعلتني أضحك كثيرا حين قال الدكتور طارق السويدان في حلقة من برنامجه "الوسطية" عن البرمجة اللغوية العصبية ما يلي حسب نص الحلقة المنشور على موقع قناة رسالة:الدكتور طارق: الجيش الأمريكي كان قد سمح بإقامة دورات الإنل بي ثم ذكرت خمس تقارير دراسية من الجيش الامريكي أنها لا فائدة منها ، وأنا قرأتها بنفسي، أنا ممكن أعطيك،
فاصل من الضحك المتواصل و نواصل
2-2-الفكرة التالية تأتي من تعريف البرمجة اللغوية نفسها:
عصبي : تغطي ما يحصل في المخ والنظام العصبي وكيف يقوم الجهاز العصبي بعملية تشفير المعلومات وتخزينها في الذاكرة ومن ثم استدعاء هذه الخبرات والمعلومات مرة أخرى. أما الجهاز العصبي فهو الذي يتحكم في وظائف الجسم وأداءه وفعالياته كالشعور والسلوك والتفكير
.لغوي : ترجع إلى الطريقة التي نستخدم بها لغة الحواس Nonverbal ولغة الكلمات Verbal وكيف تؤثر على مفاهيمنا والعلاقة مع العالم الداخلي ، واللغة هي وسيلة التعامل مع الآخرين
.برمجة : ترجع إلى المقدرة على تنظيم المعلومات ( الصور والأصوات والاحاسيس و الروائح والرموز والكلمات ) داخل أجسامنا وعقولنا والتي تمكننا من الوصول إلى النتيجة المرغوب فيها ، وهذه الأجزاء تشكل البرامج التي تعمل داخل عقولنا . أما البرمجة فهي طريقة تشكيل صورة العالم الخارجي في ذهن الانسان ،أي برمجة دماغ الانسان.
هي "فلسفة" كل شئ في العقل على أنه برمجة و حاسبات من منطلق خبير حاسوبيات لا أرى حقا أي شئ يدعو لاعتباره علما.
أما عن البرمجة عن طريق اللغة فهي النصيحة و التحفيز!
أي فيلم أمريكي "نص كم" يتحدث عن اي لعبة (هوكي ,كرة سلة ,كرة القاعدة,كرة القدم الأمريكية أو حتى بطولة رمي البلي الوطنية مسافات طويلة!) هناك المدرب الذي يحمس لاعبيه و يلقنهم كلمات تبدو عميقة يقولونها لأنفسهم حتى يظفروا بالمباراةإنه من الجيد أن تجد انسانا لبقا في الحديث يستطيع أن يعيد للناس ثقتها و يستطيع نقل خبرته و دراسته لهذا الأمر للآخرين و يساعدهم بل يستطيع حتى أن يتأمل الأنماط البشرية و يدرس كيفية التعامل معها لكن ليس من الجيد أن يقدم هذا على أنه علم فهناك العديد من الفلاسفة الذين أعطونا خلاصة تجاربهم و قراءاتهم و تأملاتهم في الحياة و البشر فلم يدع أحدهم يوما أنها علم و لم يجعلها سلعة استهلاكية تخدمها طاقة إعلامية جبارة بالطريقة المستفزة التي نراها.
* * *
ويبدو أن هذه المقولات رائجة جدا في أمريكا .. خلطة حريفة المذاق من علم النفس والمدرسة السلوكية وفن التخاطب والفراسة وحكمة المرحومة خالتي، مع الكثير جدًا من الأمثلة.. أمثلة لا تنتهي تصيبك بالدوار .. عندك جهاز محمول يمكنك بشيء من الجهد أن تستخدمه في طلب أرقام .. لكن باقي الإمكانيات مجهولة لك لأن الكتالوج ليس معك .. عقلك كذلك جهاز لا تعرف عنه الكثير ويجب أن تقرأ الكتالوج الخاص به .. "ستمدك البرمجة بدليل الإرشادات حول طريقة تشغيل عقلك ويعرفك على عقلك اللاواعى، كما سيوفر لك التقنيات التي تساعدك على التغيير سواء بحياتك أو بحياة الآخرين، وستزودك بالخريطة التي تجعلك تحقق النجاح في الحياةد.أحمد خالد توفيق "هؤلاء النصابون الكبار و حيلهم العبقرية 6"
* * *
3-هل هي علم؟إذا تحدثنا عما يطلق عليه العلوم الانسانية:
* * *
في مؤتمر من مؤتمرات الاقتصاد ,لم يستطع كل الحاضرين أن يتفقوا على قضية واحدة و كثير منها يبدو بدهيا كتحرير سعر الصرف هل يضر بالاقتصاد أو ينفعه.عالم الاقتصاد المرموق نفسه قال أنه لو كان معنا عالم كيمياء لجن حقا لأننا كمن يتحدث عن "هل تتمدد المعادن بالحرارة أم لا؟"
جلال أمين (بتصرف ) "كشف القناع عن نظريات التنمية الاقتصادية"
* * *
"عام 1984 قام عالم اسمه شاربلي بتقييم 15 دراسة حول هذه الظاهرة فوجد أن البحث العلمي لا يؤيد جدواها، ونتائجها غير قابلة للتكرار .. غير قابلية النتائج للتكرار هي الصفة المميزة للعلم الزائف أو هرش المخ عدم المؤاخذة .. علماء آخرون قالوا بالحرف: "الـ NLP قد جذبت أتباعًا كثيرين بينما هي لا تزيد على خدعة نفسية".. "حتى التقنيات الناجحة نوعًا التي تمارسها البرمجة ليست من اختراعها بل هي من أساليب أخرى سابقة ..لم يعد أحد يذكر البرمجة اللغوية ضمن أساليب العلاج النفسي .." عالم آخر يقول: "إنها التغيير من أجل التغيير فقط .." يقول ساتام ساسانجيرا عام 2005 إن شعبية الـ NLP ليست دليلا على فعاليتها، بل على قدرة الهراء الخارقة على هزيمة العلم .. إن الـ NLP عجينة نصف مخبوزة من علم النفس الشعبي والعلم الزائف . يقول توني روبينز: البرمجة نفعية جدا .. تضم إلى ترسانتها كل وسيلة تثبت نجاحها حتى لو لم تكن مدعومة علميًا .. لا أحد من مدربي البرمجة قد أجرى أبحاثا حقيقية للبرهنة عليها، طريقة العمل هي: تظاهر بأن الطريقة تعمل .. لاحظ ما تحصل عليه .. لو لم تحصل على نتيجة جرب شيئًا آخر. عن الاسم الغريب تقول مارجريت سنجر إن باندلر اعترف بأنه اخترع الاسم من مجموعة كتب متناثرة على أرض سيارته عندما سأله رجل شرطة عن عمله"
د.أحمد خالد توفيق "هؤلاء النصابون الكبار و حيلهم العبقرية 6"
* * *
في الحلقة القادمة كلام كثير عن مبادئ البرمجة اللغوية العصبية و كثير من "الخريطة التي ليست المنطقة" و "اللغة التي تعبر ثانويا عن الأفكار" و "العين التي تكشف الكذب بطريقة جحا " و غيرها الكثير.
تابعونا
التسميات: موضوعات عامة