الثلاثاء، 27 يناير 2009

أردوغان....الصدر الأعظم

السلام عليكم و رحمة الله:
بين العراق و غزة....هل عاد أردوغان القديم؟
تابعت كما تابع الملايين غيري فصول المأساة الجارية حتى الآن في غزة, و تابعت كذلك الدهشة العارمة المتعلقة بأحد فصولها الخاصة جدا...الموقف التركي.
بينما انهمك المشاهدون و المتابعون للأخبار في ترديد كلمات رئيس وزراءها أردوغان بشئ من الاعجاب و الاكبار علها تشفي جروح احباطهم و يأسهم من الحكام العرب و المحللون في استقراء الموقف التركي في حدود غزة و يربطون بينها و بين الخلفية الإسلامية للحزب الحاكم بدا أن الشئ الوحيد الذي يجمعهم هو البحث عن اجابة لسؤال واحد:
هل عاد أروغان القديم؟
ولكي نحاول أن نبحث عن اجابة هذا السؤال أرى ألا نستدعي من الذاكرة الموقف التركي من الحرب على العراق فحسب بل نستدعي كذلك أردوغان القديم لنعرف هل عاد فعلا؟
اسكي أردوغان
بطاقة حياة:
ولد رجب طيب أردوغان ي عام 1954 لعائلة بسيطة في اسطنبول.تعلم في مدرسة امام خطيب و هي مدرسة دينية كافح أستاذه نجم الدين أربكان لجعل خريجيها يلتحقون بالجامعات المدنية محققا بذلك هدفه في تكوين نخبة محافظة بيد أن نجاحه كان أكبر من المتوقع حين ساهم كفاحه في تكوين "سادة تركيا" الحاليين.
حصل أردوغان على شهادة جامعية في المحاسبة و الادارة و عمل باحدى شركات القطاع الخاص دون أن يبعده ذلك عن العمل السياسي الذي زاوله مبكرا.
بيئة ديناميكية و حسم مبكر للخيارات:
في اسطنبول عاش الفتى أردوغان بين متناقضين.الماضي التليد الذي شاده العثمانيون على مدار قرون و البادي في القصور و المساجد و الميادين وبين رموز الحداثة التي قامت عليها الجمهورية التركية و مسخت الماضي فولكلورا لتحد من "رجعيته" في إعاقة الجمهورية التي نشأت على شعارات مثل "سلام في الوطن...سلام في العالم" و "لا يوجد صديق للتركي سوى التركي" .حسمت عائلة أردوغان الخيار مبكرا في مجال التعليم حين ألحقت ولدها بمدرسة إمام خطيب ربما لأنها لم تكن ميسورة الحال أو ربما لأنها تتمتع بالكثير من القيم المحافظة التي لا ترى في تاريخها شيئا سوى المتاحف و رقصات المولوية و عربة الترام الواحدة في ميدان الخيل.
سرعان ما سار الفتى أردوغان على نهج أبويه و حسم خياره بين الحداثة و الماضي بالمزج بينهما فالتحق منذ صباه بحزب الخلاص الوطني الذي أسسه نجم الدين أربكان أبو الأحزاب المحافظة في تركيا و في ذات الوقت تخرج من كلية مدنية ليصير محاسبا.
في عام 1976 أصبح رئيسا لوحدة شباب الحزب باسطنبول ثم ترقى في المناصب حتى صار رئيسا لفرع الحزب باسطنبول.
بعد حل الحزب بقرار من السلطة العسكرية التي قامت بانقلاب عام 1980 انتقل أردوغان للحزب الذي أسسه أربكان باسم الرفاه و شكل الحكومة في منتصف التسعينات و صار أردوغان عضوا نشطا و فعالا في مسيرة الحزب و تكللت مسيرته بالوصول لمنصب عمدة اسطنبول.
بكلربك اسطنبول:
بروح عثمانية خالصة تربت و ترعرعت في مدرسة دينية و سياسية محافظة أوحت خطب أردوغان بأنه رجل مبادئ من الدرجة الأولى و ساهمت سيرته في ادارة اسطنبول من تحويل عجزها لفائض و تدشين أول موقع الكتروني لخدمة المواطنين و اهتمامه بالحدائق العامة و حماية البيئة في مدينة يعيش فيها حوالي خمس سكان اسطنبول في زيادة شعبيته و رفع أسهمه عند جماهير تهتف له بما يمليه عليها قلبها لا نفاقها.
أزمة شعرية! :
أدت تفوه أردوغان بأبيات شعرية لشاعرالقومية التركية ضياء غوك ألب إلى دخوله السجن تسعة أشهر على خلفية اتهامه باستخدام الدين لأغراض سياسية و حينها قال أردوغان جملة كانت بمثابة النبوءة الصادقة :
"هذه ليست النهاية بل البداية"
يني أردوغان
خلف الباب المغلق:
مرت شهور السجن طويلة على أردوغان و كانت فرصة جيدة ليراجع نفسه و يأخذ مع رفيق دربه عبدالله جول طريقا جديدا للتعبير عن رؤاهما الإصلاحية التي تعارضت مع رؤية زعيمهم و أستاذهم نجم الدين أربكان ,فقد ظهرت من قبل الخلافات بين تيار المحافظين بزعامة أربكان و تيار الإصلاحيين بزعامة أردوغان و جول اللذين رأيا أن حزب الرفاة وقع في أخطاء فادحة ما كان له أن يقع فيها من صدام مع الدولة و استخدام الشعارات الدينية في السياسة مما مثل استفزاز للعسكر حماة العلمانية الأتاتوركية فقام بانقلاب غير معلن و أسقط حكومة أربكان و حظر حزبه الرفاة.
ثم ما زاد الأمر سوءا هو ترأس رجائي قوطان لحزب الفضيلة الذي ورث حزب الرفاة ليدير أربكان الأمور بسبب منعه من ممارسة العمل السياسي مما عجل بانشقاق التيار التجديدي ممثلا في أنصار أردوغان و جول.
حزب جديد:
تمخضت الخلافات بين المحافظين و المجددين عن حزب جديد استغرق وقتا طويلا في الاعداد له .كالعادة كان اختيار اتجاه يمين الوسط المفضل لدى الخارجين من عباءة أربكانو رغم احتلالهم الصفوف الأولى للحزب كان وجود أعضاء قوميين و ليبراليين غير كمالييندليلا على توافقية الحزب و مدى تسامحه و تقبله للاتجاهات السياسية المختلفة و أكثر حذرا و حرصا في مواجهة التيارات العلمانية المتربصة به رافعا شعار "الديمقراطية المحافظة" مما جعل الحزب الجديد كيانا توافقيا و برنامجا اصلاحيا يضم شرائح سياسية عدة يركز على أمرين مهمين ؛العدالة و التنمية و هو ما صار اسما للحزب الجديد.
* * *
"تعتبر مبادئ مصطفى كمال أتاتورك عنصرا للسلام الاجتماعي و أداة تحمل تركيا إلى مستوى الأمم المتحضرة""ينظر للدين كأهم المؤسسات لانسانية على الاطلاق, و إلى العلمانية كضرورة للديمقراطيةو ضمان لحرية الاعتقاد"من وثيقة اعلان المبادئ لحزب العدالة و التنمية
* * *
النبوءة تتحقق:
وسط فراغ سياسي خلفته حكومة ائتلاف هشة و منقسمة على نفسها و مسعى بطيئ و غير مستقر لعضوية الاتحاد الأوروبي و أزمة اقتصادية و حزب جديد تأسس بتأن و حذر و حماس جارف في ذات الوقت , تحققت نبوءة أردوغان و فاز حزبه بأغلبية تمكنهمن تشكيل الحكومة لكن بقت عقبة قانونية واحدة هي أشهر السجن التي قضاها أردوغانفمنعته من الترشح لعضوية البرلمان و بالتالي لا يمكنه تشكيل الحكومة التي تحتم عضويةأعضاءها في البرلمان.
أردوغان...رئيس الوزراء:
بدت غيوم الاحباط تلوح حتى من قبل الانتخابات لكن أغلبية العدالة و المجهود الدؤوب لأعضاءها مكنتهم من تعديل القوانين لكي يترشح أردوغان في نفس الدائرة التي خطب فيها الخطبة التي أدخلته السجن فيما مثل بداية جديدة و علامة فارقة بين أردوغان...و أردوغان
* * *
"إذا كنت تسألني عن رأيي الشخصي ,فذلك أمر ليس فيه خيار للأفراد , و إذا كنت تسألني عن موقفي منه كسياسي, فتلك مسألة من غير أولويات الحكومة الجديدة في البلاد"أردوغان مجيبا على سؤال السفير الأمريكي في أنقرة حول الحجاب
* * *
الحرب على العراق:
لم تكد أقدام الحزب الجديد تتوطد في السلطة حتى جاءت كارثة حرب العراق و و قف الجميع في الداخل و الخارج يراقب هل يتنكر الحزب لماضيه و يوافق على انطلاق الهجوم الأمريكي من أراضيه ؟ أم يبدد مجهوده الطويل بنفي نسبه لأحزاب أربكان و يرفض الطلب الأمريكي الذي ظن أصحابه أنه لا يرد؟
رفض الطلب الأمريكي....حقائق و أوهام:
جاء قرار رفض البرلمان الذي يسيطر عليه حزب العدالة للطلب الأمريكي لا ليرجح أيا من الخيارين بأعلى بل ليمزج بينهم مزيجا يستحق التدبر و الاعجاب في آن واحد.
فقد جاء الرفض مستندا على نقاط هامة في السياسة التركية لم تكن لصنعها علاقة بحكومة العدالة و التنمية:
-أثبت الرهان على فائدة عراق ديمقراطي نتيجة لحرب الخليج في التسعينات تحت قيادة أمريكية أنه رهان خاطئ؛ فذلك العراق الذي تدمر في تلك الحرب تراخت قبضته عن الأمور برهة مما أدى لثورة عامة بعض الوقت للأكراد في الشمال مما يجدد المخاوف الجمعية للأتراك بانفصال أكراد تركيا و تمزيق الوطن الذي يؤمنون أنه قام بكثير من التضحيات و المعاناة.
-خسرت تركيا سوقا تشتري منها البترول و الغاز بأسعار معقولة و هي من السلع الأكثر أهمية للاقتصاد التركي كما خسرت طريقا تمر منه تجارتها لبعض دول الخليج العربي و قدرت تلك الخسائر حينها ب10 مليارات دولار.
كل هذا جعل هاجس الاقتصاد و أزماتهالمتلاحقة من قبل قرار الحرب أصلا عاملا هاما في تسويغ رفض الحرب.
-رفض بعض الأوساط السياسية للحرب على العراق مسايرة للتيار الشعبي الرافض لهاو للحس القومي المؤمن بالموقف الصعب الذي سيعانيه التركمان في العراق إذا تم شن الحرب فجاء رفض حزب الشعب الجمهوري العلماني استجابة لهذه المشاعر و مزايدة على حزب العدالة الذي لم يتخذ موقفا خطابيا من الأزمة كعادة "أحزاب" أربكان بل حاول بقيادة أردوغان الجديد تسويغ الرفض للحليف الأكثر أهمية لتركيا مع الحفاظ على المبادئ المحافظة و تعبيرا عن رغبة الشعب الحقيقية.
تسويغ الرفض:
ساقت الحكومة حينها للجهات المتربصة حججا كثيرة منها عدم نجاح التفاوض حول تعويضات مالية قد تنشأعن هذه الحرب إلى جانب النقاط السابق ذكرها لكنهم أبقوا ممسكين بكل الخيوط ببراعة حين ترك أردوغان الجديد لأعضاء حزبه البرلماني التصويت كل حسب قناعته الشخصية مما بدا ظاهريا أن الحكومة التي فتحت الأجواء فحسب للطائرات الأمريكية فشلت في حشد الأوات اللازمة و خرج السياسيون حينها من حزب العدالة يطلبون من الولايات المتحدة عدم التعامل بحساسية مع خيار أدت الديمقراطية لاتخاذه.
غزة....هل عاد حقا؟
مدخل:
بعد حرب العراق و أثناءها مرت حكومة العدالة بالعديد من المنعطفات فمن السعي الحثيث لعضوية الاتحاد الأوروبي التي استوجبت تشريعات عديدة كبلت العسكر من جهة و تعارضت تعارضا صارخا مع الخلفية المحافظة للحزب من جهة أخرى(حيث جرى الغاء قانون الاعدام و عدم تجريم الزنا..إلخ) وتلقيب أردوغان بفاتح الاتحاد الأوروبي نظرالهذه المساعي إلى تنصيب جول رئيسا للجمهورية بعد معركة سياسية أدت للدعوة لانتخابات مبكرة تأكد فيها الدعم للعدالة مرورا بالسعي لرفع الحظر عن الحجاب ثم محاولة انقلاب من علمانيين متطرفين و تحذير من المحكمة العليا للحزب بعدم المساس بثوابت العلمانية و نسف مساعى الحزب لرفع الحظر عن الحجاب و معاقبته ماليا ثم ها هي مأساة غزة قادمة وسط هذه كله لتعيد السؤال الذي لا يزال يتكرر في كل الأحداث سابقة الذكر هل عاد أردوغان القديم؟ بل تغير السؤال في كثير من الأحيان إلى "هل هناك أردوغان قديم و جديد بالفعل؟ "
أردوغان ...الصدر الأعظم:
منذ برزت أحداث غزة و عدوانها الأخير على الساحة السياسية فارضة نفسها و بقوة ,ظهر الموقف التركي لافتا للنظر فبعد توسط للسلام بين سوريا و إسرائيل متسقا مع موقف تركيا الحديثة من قضية الشرق الأوسط و علاقاتها التاريخية مع إسرائيل مما ينفي تهمة الإسلامية عن الحزب الذي واجه معارك داخلية طاحنة كما ذكرنا,فقد انتقد رئيس الوزراء "أردوغان" إسرائيل بشدة و رفض تحميل حركة حماس مسؤولية ما يجري بغزة و عرض أن يكون ممثلا لوجهة نظرها دبلوماسيا، وقام بجولة إلى الشرق الأوسط، وعقد مشاورات مع القادة العرب، كما أنه رفض الاتصال برئيسالوزراءالإسرائيلي "إيهود أولمرت" و خطب أمام البرلمان لا كرئيس وزراء لدولة علمانية أتاتوركية بل كصدر أعظم لدولة عثمانية يتحدث أمام مجلس المبعوثان بكل كبرياء و صرامة حيث قال:
"إنني أقول لأولمرت و ليفني دعوا عنكم حسابات الدعاية الانتخابية إن التاريخ سيحاكمكم و يذكر أفعالكم بأنها بقعة سوداء في تاريخ الانسانية عندما تعرض أجدادكم للظلم و الطرد,نحن من آويناهم و ساعدناهم.. أنا أتحدث هنا كزعيم لأحفاد تلك الدولة العثمانية و ليس كزعيم أي دولة عادية"
* * *
"إن مآذن المساجد حرابنا..و قباب المساجد خوذاتنا..و جموع المسلمين جيوشنا"
أبيات الشعر التي أدخلت أردوغان السجن
* * *
أثار الانتباه كذلك إرساله مندوبا عنه لقمة الدوحة التي اعتبرت قمة لدعم المقاومة و بالأخص حركة حماس بحضور سوري- إيراني مما جعل الناس يتحدثون عن الوجه الحقيقي للحزب الحاكم في تركيا و سيره على خطى "أربكان" الذي حول الدفة في عهده نحو الشرق و أسس مجموعة الدول الإسلامية الثمانية و أقام علاقات جيدة مع ايران مما جعل البعض –خاصة من العرب- يظن أن الحزب قد حن لأصله القديم بل ربما بصدد تقارب استراتيجي مع المحور السوريالحقيقة أن أصحاب هذا الرأي بالغوا في نقاط و تغافلوا عن نقاط أخرى:
*خصوصية التجربة:إن الحركة الإسلامية في تركيا حتى التي قادها أربكان ليست حركة إسلامية بالمعنى المفهوم,فهي و إن كانت تحدت العلمانية الأتاتوركية فإنها لا تسعى في النهاية لتطبيق الشريعةعلى المجتمع التركي فمن ثم يمكن تسميتها بحركة "محافظة" أو بحركة علمانية "جزئية" كمثيلاتها من الأحزاب المحافظة في أوروبا كالحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا مثلا و إن كانت الحالة الأربكانية متأثرة بشئ من التجربة الإسلامية العربية.


*خصوصية داخل خصوصية:مثل الحزب العدالة و التنمية حالة خاصة من نوعها فقد تخلص من كثير من التجربة الأربكانية حين أرسى مبدأ "إذا أردت أن تكون قويا ,فاذهب للأقوياء" و فضل عدم التحدي للنظام العلماني تحديا متهورا بل دافع عن ديمقراطيته المحافظة من منظور ليبرالي كما أشرنا من قبل.كذلك تخلص من ترسبات التجارب العربية فضم خليطا من القوميين و الليبراليين و تميزت اجتماعاته بالاختلاط بين الجنسين و تقديم المشروبات الكحولية لمن يريد على عكس الحياة الداخلية لحزب أربكان التي كانت تشبه حياة "الجماعة" ليمثل العدالة حزبا محافظا بالمعنى الأوروبي.لكنهم لم ينسلخوا تماما من هويتهم ليصيروا كماليين فرفعوا شعار الديمقراطية المحافظة و عززوا العلاقات مع الدول الإسلامية فيما عرف باستراتيجية "العثمانية الجديدة" التي رسمها مستشار أردوغان "أحمد داود أوغلو".خلاصة القول أنهم لم يصبحوا كماليين و لم يصبحوا أربكانيين ,لم يصبحوا نفعيين و لم يصبحوا خياليين تدعمهم في كل توجهاتهم و تصرفاتهم و جرأتهم "المحسوبة" الديمقراطية التي جاؤوا عبرها للحكم و شعبيتهم الجارفة.


*تركيا و أمريكا:إن العلاقات التركية مع الولايات المتحدة ليست أمرا مستنكرا من الشعب التركي فحتى أيام الدولة العثمانية كانت هناك علاقة طيبة مع الأمريكيين توضح ذلك مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني.بالطبع الأمر اختلف بعد الحادي عشر من سبتمبر و حرب واشنطن على الإرهاب لكن غاية القول أن العلاقة مع الأمريكان حفاظا على المصالح القومية التركية لا يتم النظر له بنفس نظرة الكثيرين في العالم العربي.بيد أن الأولوية دائما و حتى فترة حكم أحزاب علمانية كان الاقتصاد التركي و الاتحاد الأوروبي و فوق كل هذا وحدة الجمهورية التركية و مصالحها القومية , بدليل الاجتياح التركي لشمال قبرص لنجدة بني قومهم ضد ارادة الأمريكان و ارادة "الجماعة الأوروبية" التي يتشوقون للانضمام لها..بالإضافة إلى ذلك مثل الحرب على الارهاب حاجة أمريكية لنشر النموذج التركي كنموذج للحركة الإسلامية المعتدلة بينما لا يحرك العدالة ساكنا إزاء ذلك و يكتفي بشعاراته المحافظة و أنه لا تعارض بين "الإسلام" و الديمقراطية" لا بين الديمقراطية و بين كونهم "حركة إسلامية" فاستفاد كل منهما من الأمر...لكن بطريقته.


*عين على الشرق:اهتمام حزب العدالة بالدول الإسلامية لم يكن وليد أزمة غزة,فمنذ الحرب على الارهاب و تركيا تدعو الدول الإسلامية لإصلاح نفسها بدلا من فرض الإصلاح من الخارج مستغلة أجواء الحرب على الارهاب بطريقتها كما ذكرنا, ففاز مرشحهم أكمل الدين إحسان أوغلو بمنصب أمين منظمة المؤتمر الإسلامي و حاول جاهدا أن يقوم بإصلاحات هيكلية لتلك المنظمة لكن للأسف لم نر نتائج إيجابية سياسيا حتى الآن.كذلك تحتل الأسباب الاقتصادية مكانا هاما في هذه العلاقات فارتفع التبادل التجاري لمستوى مرتفع مع ايران و سوريا و استثمارات الأموال الخليجية المسماة ب"الأموال الخضراء" في تركيا و إقامة الشركات التركية لمشاريع هامة كمطار الخوميني في ايران و خط البترول الذي يمر بإيران حتى ميناء جيهان التركي, إلى جانب شراء سلع هامة كالبترول و الغاز من الدولة المارقة أمريكيا.إن حكام تركيا الجدد تعلموا من تجربة حرب الخليج في التسعينات أن مجاراة الحرب الأمريكية و"دمقرطة" المنطقة بالحرب لن يفيدهم فاستطاعوا حشد التأييد الشعبي و على مستوى النخبة المؤيدة و حتى المعارضة لحسن تسويغ سياستهم. أي أنها انطلقت من إيمانها بمبادئها و لم يمنعها ذلك من الاستفادة بشكل أو بآخر.


*عين على الغرب:إن تركيا تتطلع بشدة لعضوية الاتحاد الأوروبي و سعت مساع جادة لذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية و سياسية داخلية و خارجية و مثل التحرك التركي في مشكلة غزة نقطة جيدة لاستغلالها في إشارة لأوروبا أن تركيا لاعب جيد في المنطقة التي ربما تصبح مشكلة أوروبية بعد انضمام تركيا و هو ما يوضح تحرك عبدالله جول في قمة شرم الشيخ ضمن "الجماعة الأوروبية" و تصريحات أردوغان بعد ذلك أن الانضمام للاتحاد الأوروبي من ضمن أولوياته. لا أقول أن هذا الأمر هو الباعث على التحرك في أزمة غزة ,لكن يمكن توظيفه في المستقبل.


*حديث السلام:انطلاقا من شعار الديمقراطية المحافظة و استراتيجية العثمانية الجديدة و هوية الحزب الخاصة التي لديها العديد من المبادئ المحافظة, ربطت تركيا لأول مرة علاقتها مع إسرائيل بمسار عملية السلام في الشرق الأوسط حسب ما صرح أردوغان في مؤتمر مع شارون و ظهر في وصفه اغتيال الشيخ أحمد يس "بالعمل الإرهابي" .الحقيقة أن العلاقات التركية -الإسرائيلية و إن كانت تاريخية إلا أنها ليست استراتيجية كما يبالغ البعض أي أن وجود تركيا لا يتوقف على العلاقات مع إسرائيل التي تدخل كحسابات جانبية في موضوعات مهمة مثل نفي الإسلامية عن الحزب الحاكم و العلاقات الجيدة مع الغرب. كما قلنا ربطت تركيا العدالة العلاقة بمسار"السلام" و ليس بزوال إسرائيل فرأينا العديد من نواب العدالة أعضاء في لجنة الصداقة التركية الإسرائيلية و توسطا تركيا للسلام مع سوريا (استقالوا منها بعد العدوان على غزة).


*مصالح عليا:في ضوء هذه النقاط نستطيع تخيل ان التحرك التركي ينبع من "الأنا " التركية العثمانية الجديدة التي ترغب في علاقات تخدم مصالحها مع جميع الأطراف مقرة مبدأ "لا يوجد أصدقاء دائمون و أعداء دائمون,إنما هي مصالح دائمة" مع تعديلهم على هذا المبدأ النفعي "مع الاتفاق مع القيم المحافظة و الخلفية المحافظة التي تشبعوا بها" فمصر ترى أن تحرك تركيا الذي دعمها و حاول تدعيم محاولات القاهرة السياسية جاء لمواجهة التمدد الإيراني وسط الفراغ السياسي الناتج عن تفكك الحلف السعودي المصري السوري ,بينما أبقت تركيا على شعرة معاوية بحضور مندوب عنها لقمة الدوحة و علاقات متميزة مع ايران و سوريا كما أشرنا و في نفس الوقت رفضت قطع العلاقات مع إسرائيل لإرضاء "بعض الأطراف" حسب تصريح وزير الخارجية علي بابا جان.إلى جانب هذا أوفدت أنقرة نائب وكيل وزارة الخارجية فريدون سينرلي اوغلو الى تل ابيب حاملا رسالة خاصة من رئيس الوزراء رجب طيب اوردغان الى رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت تتصل بالمنظور التركي حيال هذا العدوان مما يدل على حرص تركيا على دورها المتصاعد في المنطقة و على علاقاتها بجميع الأطراف.


*هل دور تركيا دور فعال في المنطقة؟الحقيقة أن الأطراف في المنطقة العربية تعاني حزازات و انشقاقات كبيرة تفسح المجال لتركيا للعب دور كبير في التوسط لكن دورها لن يكون سوى دور "محلل" و لن يتم تحقيق نتيجة ملموسة دون نية حقيقية للأطراف المعنية باحراز تقدم سواء سوريا و حماس أو إسرائيل لأن الحسابات التركية الخارجية المعقدة التي ذكرناها تمنع قيام تركيا بمواجهة أو حتى محاولة ضغط على أي من دول المنطقة لهذا انتقدت أطرف علمانية أن تركيا خاطرت بعلاقاتها في المنطقة بينما تصدرت مصر مشهد "انزال الستار" على حد تعبيرهم في الإشارة لقمة شرم الشيخ و وقف اطلاق النار.فقط كل ما نستطيع قوله باطمئنان أن ثمة دور تركي ينمو و يكبر باستمرار.


*هل دخل عضو جديد في حلف الممانعة؟:نتيجة للعبة التوازنات التي ذكرناها نستبعد تماما انضمام تركيا لمحور الممانعة السوري الإيراني فالأمر كما قلنا محض "مصالح" و الولايات المتحدة تعي هذا جيدا لذا رأيناها تقدم معلومات استخباراتية للجيش التركي في غاراته على حزب العمال الكردستاني و ترعى لجنة أمنية في أردبيل بالعراق بعضوية العراق و تركيا لمحاولة منع ايران من استغلال ورقة الانفصاليين الأكراد في أي تقارب سوري إيراني .كما قلنا أن وحدة الجمهورية التركية عند الأتراك فوق الولايات المتحدة و فوق ايران.
هل عاد أردوغان القديم؟
أظن أن القارئ الكريم علم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.

التسميات: