الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

الاستفتاء التركي الأخير..محاولة قراءة

في يوم الأحد 12 سبتمبر الجاري عادت ذكرى انقلاب العسكر في عام 1980 بقوة في الشارع التركي، ليس لمرور ثلاثين عاما عليها، ولكن لأن هذا اليوم كان موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي طرحها حزب العدالة والتنمية، وتتضمن هذه التعديلات رفع الحصانة عن محاكمة المنفّذين لانقلاب 1980، وغير ذلك من المواد التي تقلّل من قوة القضاء والجيش، اللذين يوصفان بأنهما من معاقل العلمانية في الجمهورية التركية.

تركيا: نعم للاستفتاء ولا لسيطرة الجيش
أظهرت نتيجة الاستفتاء فوزا مُريحا للعدالة والتنمية بنسبة لم تتعدّ 60% وسط مشاركة كثيفة من المواطنين بلغت 77% على 26 تعديلا دستوريا تتضمن توسيع تشكيل (المحكمة الدستورية) من أحد عشر قاضياً إلى تسعة عشر، يقوم البرلمان بتعيين ثلاثة منهم ويعين الرئيس باقي الأعضاء، ما قد يمكّن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحزبه من إدخال بعض مؤيديه أو المحايدين -من غير القضاة العلمانيين- ضمن أكبر مؤسسة قضائية في الجمهورية التركية، إلى جانب تعديلات شبيهة في مجلس القضاء الأعلى، بما يمكّنه من اختراق معاقل المؤسسة القضائية.

جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية كادت تحظر الحزب في عام 2008، وتمنع 71 عضواً به من ممارسة السياسة، وهو ما وُصف وقتها بأنه مرحلة جديدة ينبطح فيها حزب "العدالة" أمام تغوّل المؤسسة القضائية، ولكن كل ذلك صار سرابا بعد تلك الضربة القوية التي تمثّلت في الاستفتاء الأخير؛ خاصة التعديل الذي يجعل حظر الأحزاب مرتبطا بموافقة لجنة برلمانية تمثّل فيها كافة الأحزاب السياسية، وتشترط موافقة ثلثي هذه اللجنة، قبل البدء في رفع دعوى حظر أي حزب.

أيضا التعديل الخاص بمحاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية في حالة ارتكاب الجرائم أو الشروع في محاولات انقلابية، وإمكانية الطعن على أحكام الفصل من الجيش -التي يُقال إنها تُستخدم ضد الضباط المتدينين- ونزع الحصانة عن انقلابيي 1980 الدموي، الذين قاموا باعتقال حوالي 650.000 فردا من الشعب، وإعدام وتعذيب المئات مما يجعل له مكانة خاصة عند من عانوا أثناء هذه الفترة.

إلى جانب ذلك كان هناك عدد من التعديلات الأخرى والخاصة بالأوضاع العمالية وحقوق المرأة والأطفال والمعاقين، وتعزيز الديمقراطية، مما يردّ على معارضي الاستفتاء بأنه يمثّل مرحلة جديدة في طريق سيطرة حزب العدالة والتنمية على الدولة، وتهديد مبدأ الفصل بين السلطات، وتنفيذ أجندة إسلامية خفية؛ حسب ما ذكره معارضو الحزب، وتعزيز حجة حزب العدالة والتنمية في أن التعديلات تسير بتركيا إلى مزيد من الديمقراطية، وتعزيز فرصها في الانضمام للاتحاد الأوروبي.

غير أن السياسة الاقتصادية التي يتّبعها حزب "العدالة"، والنمو المتسارع للاقتصاد التركي رغم الأزمة المالية العالمية لعب دورا كبيرا في نتيجة الاستفتاء؛ حيث جعل نتيجة الاستفتاء مؤشرا على الرضا الشعبي عن سياسات الحزب الحاكم.

ديمقراطية إسلامية أفضل من نظم عربية مستبدة
من جانبه قال "ستيفان فول" -المفوّض المكلّف بشئون توسيع الاتحاد الأوروبي- إن نتيجة الاستفتاء "تُظهر مواصلة الأتراك التزامهم بالإصلاحات، في سبيل زيادة حقوقهم وحرياتهم". وأضاف أن "الاستفتاء يشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح في إطار جهود تركيا للإيفاء بالمعايير اللازمة لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي"؛ نقلا عن الاتحاد الإماراتية.

بينما أشاد الرئيس باراك أوباما الأحد بنسبة المشاركة المرتفعة في الاستفتاء حول تعديل الدستور في تركيا، وأشار البيت الأبيض في بيان نشره عقب اتصال أجراه أوباما برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى أن الرئيس الأمريكي أقرّ بحيوية الديمقراطية التركية، التي عكستها المشاركة في الاستفتاء.

وبينما يرى مراقبون أن النجاح المتصاعد لحزب "العدالة" استطاع أن يرسل رسالة قوية للغرب مفادها أن الإسلام والديمقراطية لا يتعارضان، وأن الولايات المتحدة بحاجة لحلفاء أقوياء يتبنّون القيم الديمقراطية، على عكس الحكومات المستبدّة في البلدان العربية، وما زال الحزب يصرّ على أنه ليس حزبا دينيا، ولا يسعى لتهديد القيم العلمانية للدولة.

هل تقف أموال إيران خلف أردوغان؟
يبدو مهمّا في هذه الآونة أن تسعى الحكومة إلى تهدئة الأوضاع في تركيا، على خلفية حالة الاستقطاب الحادة التي تشهدها الساحة التركية، والوضع في الاعتبار أهمية نسبة الـ42% الذين رفضوا التعديلات الدستورية، وهي نسبة ليست هينة، إلى جانب التوازن في علاقاتها مع الغرب والشرق؛ لتظل النموذج المعتدل الذي يتم تسويقه أوروبيا وأمريكيا، في ظل اتهامات متصاعدة بتوجّه تركي نحو الشرق تجاه سوريا وإيران، مما يعزّز اتهامات معارضي الحكومة بأنها تمتلك أجندة إسلامية خفية؛ خاصة بعد الخبر الذي نشرته الـ"دايلي تليجراف" عن تبرّع إيران لحزب "العدالة" بمبلغ 25 مليون دولار، لدعم نشاط الحزب المتصاعد، مما يثير الكثير من المخاوف في الداخل التركي، جنبا إلى جنب مع الحكومات الغربية، رغم نفي الحكومة تلقي أي أموال من طهران.

لذلك يمكن للنجاح في تمرير التعديلات الدستورية أن يصبح نقمة على الحزب؛ نتيجة لكل هذه الإشكاليات، أو أن ينجح الحزب في المرور بسلام، ويتخذ من النجاح في الاستفتاء نقطة انطلاق نحو ولاية ثالثة في الانتخابات العامة التي ستُجرى العام القادم.

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية