الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

طالبان (2)..إمارة الظل

إمارة الظل

الغزو الأمريكي

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حلق النسر الأمريكي الجريح مطالبا بالثأر ، و وسط اتهامات للقاعدة بأنها وراء الهجوم ، طفت مشكلة أفغانستان للسطح من جديد بعد طول نسيان.رفضت حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن و أعضاء تنظيم القاعدة و أصرت على تقديم أدلة دامغة على تورط القاعدة في الهجمات على الولايات المتحدة الأمريكية لتتم حينها محاكمتهم في أفغانستان أو تسليم المطلوبين لدولة إسلامية لمحاسبتهم.

غير أن هذه الاقتراحات قوبلت بالرفض و حاز النسر الأمريكي على تعاطف العالم و تأييده وسط صمت عربي و إسلامي .و بعد قصف أمريكي استمر 40 يوما دون توقف ، و في 13 نوفمبر عام 2001 سقطت كابل بيد قوات التحالف الشمالي الذي ضم الحركات المعادية لطالبان بينما توارى أعضاء الحركة و قادتها عن الأنظار بعد توغل أعدائها في أفغانستان و رجحت التحليلات وقتها أن تلك الفلول الهاربة اتجهت إلى الحدود الأفغانية الباكستانية حيث تحظى طالبان بشعبية جارفة.

نظام إسلامي أمريكي!

عقد مؤتمر بون في 5 ديسمبر من العام 2001 ضاما دول الجوار الأفغاني و أغلب الأطراف الأفغانية ليتم الاتفاق على مرحلة ما بعد طالبان ، فتم انتخاب حامد كرزاي رئيسا مؤقتا للبلاد ريثما يتم انتخاب المجلس القومي الكبير "اللويا جركا "و وضع دستور جديد للبلاد و إجراء انتخابات رئاسية و أخرى برلمانية.

تم إقرار دستور جديد للبلاد من قبل (اللويا جركا) الذي تم انتخاب أعضائه الـ500 ليمثلوا كافة أطياف الشعب الأفغاني و ينص الدستور على أن أفغانستان جمهورية إسلامية و لا يمكن أن تتعارض قوانينها مع تعاليم الإسلام على أن تلتزم الجمهورية بالاتفاقيات الدلوية و إعلانات حقوق الإنسان الدولية.

و هكذا بدأت مسيرة بناء سلطة أفغانية محلية موالية للمجتمع الدولي بقيادة حامد كرزاي الممثل السابق لشركة يونوكال الأمريكية التي كانت تفاوض طالبان فيما سبق على مد خطوط أنابيب للغاز و البترول عبر الأراضي الأفغانية و هو ما يمكننا من تصور شكل هذا النظام السياسي و تفهم اتهامات الفساد المتتالية التي توجه إليه، كما يصور لنا أن العلاقة بين طالبان و بين كل ما يمت لأمريكا بصلة لم تكن عدائية منذ الأزل و أنهما خطان متوازيان لا يلتقيان.

تطور عمل قوة الإيساف الدولية من حماية المنشآت الهامة في كابل و مساعدة نظام كرازي في السيطرة على العاصمة ، اتسعت مهمة القوات الدولية لتشمل مناطق بعيدة نائية و تخوض مواجهات مباشرة في الجنوب مع طالبان التي تصوروا يوم دخولهم أنها ذهبت إلى غير رجعة.

الإمارة الثانية

في عام 2003 أعلن الملا عمر زعيم حركة طالبان تشكيل مجلس جهادي جديد و اجتمع مع 50 شخصية لبحث أفضل طرق المقاومة و إعادة بناء الحركة بعد الغزو الأمريكي و سلسلة المطاردات و الغارات التي لم تنته.

كما شهدت تلك الفترة أول عملية استشهادية ليتم الإعلان عن طريقة هجوم جديدة للحركة استقتها من المقاومة العراقية التي فتحت جبهة استنزاف أخرى للولايات المتحدة لتصير غارقة بين جبهتين.

تصاعد نشاط طالبان تدريجيا ما بين عامي 2004 و 2005 و توسعت الحركة في ضم بعض الأفغان و المقاتلين الأجانب إلى صفوفها و تنوعت عملياتها مكبدة القوات الدولية و الجيش الأفغاني خسائر فادحة مما حدا بالقوات الدولية أن تشن غارات جوية عديدة تسبب أغلبها في إصابة مدنيين مما ساهم في زيادة النقمة على القوات الدولية.

مرحبا بك في مناطق طالبان!

في سوق هزارة رأى مراسل الجزيرة أحمد زيدان مشاهد تخالف ما عرف عن علاقة طالبان مع الشعب في إمارتها الأولى ،

إن هناك شعور من بعض مواطني هذه المناطق أن طالبان تسعى هذه المرة إلى كسب ود الأفغان بعد أن شوه صورتها بعض الأشخاص باسم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نفروا الشعب من الحركة أيام إمارتها الأولى ، و الغريب –كما يقول احد قادة طالبان- أن وزير العدل ترابي الذي قاد قسم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استسلم للحكومة الأفغانية و أعلن تأييده لها!

فيقول أحد التجار الممولين لطالبان : " إن الذين كانوا يتشددون مع الناس ويشترطون طول اللحية، ويعاقبون على قصرها هم أول من ترك وتخلى عن الحركة من أمثال ملا خاكسار وترابي وغيرهما، بينما كان الملا محمد عمر يطالبنا بعدم التشدد مع الناس، ويوصينا بالتلطف معهم، الآن من كان يحدد طول اللحية ويتشدد مع الناس هو من تخلى عن الحركة، وربما عن اللحية، وانضم إلى معسكر الكفرة والمحتلين، بينما من كان يتودد إلى الناس ويعاملهم بالحسنى من الطالبان، هو من حلق لحيته لإخفاء نفسه ولمقارعة الكفرة و المحتلين."

هكذا اعتمدت طالبان على سكان المناطق التي تسيطر عليها مع تركها زراعة المخدرات بشكل طبيعي و عدم الإضرار بمزارعيها و توفير الخدمات الأولية كالمدارس الدينية و المستوصفات الطبية و القضاء الشرعي الذي يكفل قضاء سريعا لمشكلات السكان.غير أن تنفيذ حدود كالرجم و اتهامات غربية لطالبان بانتهاك حقوق الانسان في المناطق التي تخضع لها مثل جدع أنف فتاة تدعى عائشة و هو ما نفته الحركة و قالت إنها جريمة قام بها زوجها و هم غير مسئولين عنها ، كل هذا يروج لفكرة المستقبل المظلم الذي ينتظر أفغانستان إذا ما نجحت الحركة و استعادت الحكم و يخيف من طالبان تلك الفئات الأفغانية التي لا تتفق مع تصور طالبان للشريعة الإسلامية.

من امتصاص الصدمة إلى الهجوم

تميزت عمليات رحكة طالبان بتنوع أساليبها بدءا من الهجوم العسكري المباشر و السيطرة على بعض المراكز الحكومية مرورا بالكمائن و التفجير عن بعد .

كذلك انتهجت الحركة سياسة الخطف و الاغتيالات للشخصيات السياسة و الأجانب العاملين في مشروعات إعادة الإعمار من مدنيين و الأفغان المتعاونين معهم ، كذلك مهاجمة المباني الحكومية و المدارس و استهداف مراكز الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لإحراج الحكومة الموالية للقوات الدولية و إظهارها بمظهر العاجز عن حفظ الأمن ، جنبا إلى جنب مع زيادة إحباط الدول المشاركة بقواتها إلى جانب الولايات المتحدة لحث شعوب تلك الدول على المطالبة بسحب جنودها كما فعلت هولندا في أغسطس من العام الحالي.

و أخيرا العمليات الاستشهادية التي وصفها الملا دادالله القائد العسكري البارز في طالبان قبل مقتله أنها قنبلة المسلمين النووية

و يتم استخدامها بشكل مكثف مع وجود تصريحات للملا عمر بتجنب إيقاع الخسائر وسط المدنيين نتيجة للعمليات العسكرية للحركة ، لكن هذا لم يمنع سقوط مدنيين.

لا للسلام!

رفض قادة الحركة الكثير من مساعي السلام من الحكومة الأفغانية عن طريق مسؤولين سابقين في طالبان و لم تثمر خطة التفاوض مع "معتدلين" من طالبان عن أية نتائج وسط تشدد من القادة الحاليين للحركة و رفضهم أي طريقة للتفاوض حتى تخرج القوات لأجنبية و تسقط الحكومة "العميلة" حسب وصف الحركة.

و مما يبعث على هذا الموقف المتشدد للحركة هو نجاحها في إحالة حياة القوات الأجنبية إلى جحيم في أفغانستان ، فقد أصبح العام 2010 الأكثر دموية منذ الغزو الأمريكي رغم أن العام لم ينته بعد مما يثير الكثير من التساؤلات حول مصير أفغانستان و ما إذا كان هذا البلد على وشك إعلان إمارة ثالثة لطالبان تستعيد ما فاتها ، أم نجاحا للقوات الدولية في القضاء على هذه الحركة نهائيا عن طريق محاربة فساد الحكومة المحلية و التوسع في مشروعات التنمية الاقتصادية و التحالفات القبلية و الأهم من هذا ، استغلال هجمات طالبان على المناطق الخاضعة للحكومة للترويج لوحشية الحركة و عدم اهتمامها بأرواح الآخرين و أن الإمارة الأولى لا تختلف عن الإمارة الثانية.

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية