السلام عليكم و رحمة الله:
صدر منذ فترة كتاب "الخليج البريطاني" للصديق و الصحفي الشاب إيهاب عمر.
الكتاب يتناول دور الاستعمار البريطاني في تشكيل دول الخليج و تنصيب عائلات حاكمة هي اليوم "قادة" هذه المنطقة.تأتي أهمية الكتاب حسبما يقول الكاتب في أن المعلومات الواردة به قد تعيننا على فهم و استيعاب التواجد الأمريكي في المنطقة.
تحيرت كثيرا في كيفية نقد الكتاب لأنني أعطي رأيي بالطبع لا كناقد كخبير فيما يتناوله الكتاب لذا سأبدأ في البداية بالحديث عن المحتوى بصفة عامة مرورا بالأسلوب ثم أبدي ملاحظاتي على الكتاب من المقدمة و حتى آخر فصل:
كما قلت الكتاب يتحدث عن دور الاستعمار البريطاني في منطقة الخليج لهذا فالخليج العربي في رأي الكاتب ليس فارسيا و ليس عربيا,إنما هو بريطانيا
نسبة لمن لعب الدور الأكبر في ترسيم حدود الدول التي تطل عليه الآن.
لكني أرى أنه كان يجب على الكاتب التمهيد قبل هذا لعدة أمور:
1-المحتوى:الحديث عن الظروف السياسية و الاجتماعية و الدينية للجزيرة العربيةو لو بشئ من الإيجاز و بيان العوامل التي رسخت انقسامها و العوامل التي استطاعت بريطانيا استغلالها للعب الدور الكبير في تحريك أطرافها من أجل مصالحها.
2-الأسلوب التقريري الموجز المدرسي نوعا ما الذي صيغت به صفحات الكتاب أصابتني بخيبة أمل أولا لأنني أعرف الكاتب معرفة قوية و أعرف إمكانياته في التحليل اتفقت أو اختلفت معه و ثانيا لأن مصادر الكتاب و مراجعه كثيرة جدا و متناقضة في ذات الوقت مما يمكن أن يعطي فرصة للكاتب أن يبرز العديد من الفرضيات و الجدليات و يوازن بينها بدلا من أن ينتقي و يوازن داخل نفسه و يخرج لنا الكتاب باختياراته كأنها هي المسلمات
الحيادية.
الحياد في التاريخ أمر يكاد يكون مستحيلا في فترة خاضعة للتسييس و التحزب كهذه الفترة و مهما حاول الكاتب أن ينفي ذاته يتبقى دائما اتجاه لما يسطر و ليس معنى أننا لا نستطيع تصنيف الكاتب أنه ينتمي لتيار أو حزب فلان أنه محايد.
أبدأ الآن على التعليق على الكتاب منذ البداية:
الفصل الأول:
يقول الكاتب في صـ13 نقلا عن مذكرات جاسوس بريطاني يدعى همفر أن
الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان فتى جاهلا مغرورا يزدري الأئمة الأربعة
و يقول أن نصف كتاب البخاري موضوع.
هنا لنا وقفة,صحيح أنني لست من أتباع الشيخ محمد لكن هذا لا يدعوني لأتقاعس عن الحديث عنه بإنصاف .أبسط قراءة و أكثرها سطحية لمؤلفاته
ستقول أن هذا الكلام محض افتراء,فالرجل تعلم المذهب الحنبلي من أبيه و لم يأت بمذهب جديد و تعصب للبخاري و لازال أتباعه لليوم و غيرهم من المسلمين لا يقبلون أي مساس بأحاديث البخاري مما جعل الجفوة بينهم و بين الشيخ الغزالي رحمه الله.
الاشتباك المثبت كان مع مذهب الإمام أبي حنيفة و هي أمور ليست موضوعنا لكن كل ما أقوله أن الواقعة المروية عنه غاية في الكذب و الافتراء.
يقول همفر كذلك:
عندما التمست فيه هذا الغرور الجاهل وجدت فيه ضالتي لتمزيق الإسلام وزرع الفتن بين المسلمين فبدأت اشيد فيه باستمرار وأؤكد له أنه أكثر موهبة و ذكاء من علي و عمر و أن الرسول لو كان في عصرنا لاختاره خليفة له دونهما .ومن التمثيليات العجيبة التي يرويها همفر عن بن عبد الوهاب انه – اي همفر – دخل في مجلسه وحوله حشد من أتباعه وحزبه وهو يبكي ، فاستغربوا جميعاً لذلك وقال له بن عبد الوهاب : ما يبكيك يا عبد الله ؟ ، فقال لهم : رأيت رؤيا أن رسول الله كان جالساً في مجلسكم هذا وأن الشيخ بن عبد الوهاب قد دخل عليه فقام له إكباراً واحتراماً ورحب به ترحيباً لم نره على أحد !! وقال للجميع : هذا هو خليفتي على المسلمين جميعاً وعليكم جميعاً بطاعته ، ولو كان في عهدي لأوصيت له بالخلافة بدلاً من أبى بكر وعمر ، فقد آتاه الله الحكمة والعدل ! ، وهنا أخذ عبد الوهاب يصيح : الله أكبر الله أكبر ، هذه رؤيا صادقة أراكها الله يا عبد الله جزاء على إسلامك ! . وأخذوا جميعاً يسألونه عن شكل الرسول كما رآه في منامه وكان يحفظ بهذه الصفات كما قرأها في الكتب فصدقوه وأخذوا يقبلونه ، وإمعانا في التضليل والتمثيل أخذ همفر يصيح فيهم قائلاً : " نأمل جميعاً في تجديد الإسلام على يدي بن عبد الوهاب فهو المنقذ الوحيد في انتشال الإسلام من هذه السقطة "
هنا لنا وقفة؛كما قلت أن هذا الكلام الفارغ يتعارض مع أبسط و أتفه قراءة لمؤلفات الشيخ محمد فنحن هنا لا نتكلم عن تحالفات سياسية قد تصح أو لا تصح بل نتكلم عن فكر و عقيدة لم نجد لها أثرا في مؤلفات الشيخ.
إن الرجل قام ليجاهد البدع و الخرافاتو رؤى الصوفية و يكذب كرامات الأولياء فكيف يقر الرؤيا المزعومة و هي تدخل ضمن ما قام لينهي عنه؟
كيف يرى أن له الولاية الدينية و الدنيوية و هو الذي قلد مؤسس الدولة السعودية الأولى الولاية الزمنية مؤسسا ثنائية "الشيخ و الحاكم"؟
أما الحديث عن تحالف مع البريطانيين أو غيره فهذا محل نظر و أخذ و رد بالطبع و لو ثبت فهو غير مستغرب أما الحديث عن مسخ عقيدة الشيخ بهذه
الطريقة فهو أمر ثابت زيفه و كذبه.
هناك خطأ كذلك في الفصل الأول حيث يقول الكاتب في صـ20 أن الإباضية مذهب شيعي بينما هو من مذاهب الخوارج,فقط لزم التنويه.
أما في الفصل الثالث فالحوار مع الملك عبدالعزيز و مندوبي بريطانيا كان مفضوحا و مفتعلا جدا,لا أشكك في الوقائع نفسها أو أنه تحالف مع البريطانيين لكن فقط أحسست أنها تلك الزيادات التي يحب البعض إضافتها حين يكتبون مذكراتهم,مجرد تعليق عابر .
كما نرى هناك جدليات أوردها الكاتب في صفحات كتابه و كانت جديرة بالتحليل و الموازنة و إبداء الرأي لكنه آثر أن يستخدم الأسلوب الذكور سابقا.
في الفصل التاسع الخاص بالكويت تحدث الكاتب فيما يقل قليلا عن نصف الفصل عن أزمة ولاية العهد في الكويت منذ بضعة سنوات و هو أمر ليس له علاقة بموضوع الكتاب ليتم الإسهاب فيه بينما كانت هناك أمور أخرى أشرت لها في البداية تستوجب الذكر و لو بإيجاز.
كذلك كان الأمر في الحديث في الفصل العاشر الخاص بالبحرين و الثاني عشر الخاص بآل نهيان فالأزمات الحديثة الواردة فيه غير ذات صلة مباشرة
بموضوع الكتاب.كما أن وصف الكاتب الشيخ شخبوط بأنه "كان عروبيا وطنيا معارضا للانجليز" و لم يسهب في هذا الأمر فكما قلنا هو يجعل موازناته و تفكيره و انتقائه غير مكتوب في البحث بل يكتب النتيجة النهائية التي توصل لها بإيجاز و تقريرية.
جاء الفصل السابع عشر الخاص بالدولة الهاشمية في الحجاز متأخرا في الترتيب فكان الأفضل من وجهة نظري أن يأتي بعد الحديث عن آل رشيد و بني خالد حتى لا يقطع الترتيب السلس الذي امتازت به فصول الكتاب.
بالطبع الحديث عن الهاشميين كان يحتاج إسهابا كبيرا خاصة عن لورنس العرب و إن امتاز الفصل بتكثيف جيد للأحداث لكنه يحتاج بالطبع لقائ لديه خلفية جيدة عن موضوع الفصل.
كذلك الفصل الثامن عشر الخاص بعمان فلم يتم تفسير عوامل قيام تحالف
عماني إيراني إلى جانب الخطأ الذي ذكرته عن تصنيف الإباضية كذلك الدولة البوسعيدية كانت تحتاج تفصيلا أكثر لتاريخها و كذلك الفصل التاسع عشر (غير المذكور في الفهرس) الخاص باليمن كان يحتاج تفصيلا و إسهابا أكثر.
الحقيقة أن ما يدعوني لمطالبة الكاتب بهذا هو كم المراجع الكبير الذي قرأه عن موضوع الكتاب و التي تتيح له أن يسهب أكثر و إلا كان عليه أن يخصص الكتاب لمناطق بعينها حتى لا يفرض عليه أن يوجز ايجازا مخلا بتاريخ فترة مهمة من تاريخ عمان أو اليمن.
و أخيرا و ليس آخرا الكتب يمثل بداية جيدة لاتب يمتلك الكثير من المؤهلات و المواهب و لم أكتب ما كتبت في هذا المقال إلا لأنني أعرفه جيدا و أعرف ما في إمكانه أن يكتب,فقط ليطلق لطاقته العنان.
تحياتي
التسميات: كتب