الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

حماس و السلفية .. إلى أين؟

بدأت الجماعات السلفية في الظهور داخل فلسطين، منذ ما قبل الانتفاضة الأولى، أي نهاية الثمانينيات، وأخذ طلاب علم -ممن تلقّوا تعليمهم في الخليج- بنشر الدعوة التي يعتبرونها تمثّل الإسلام الصحيح؛ لكن هذه الدعوة ظلّت ضعيفة تقتصر على بعض الشبان الصغار في مساجد كان يُسمح لهم بالتجمّع فيها، وساعد على بقاء هؤلاء أنهم كانوا يغرقون في تفاصيل كانت ترى إسرائيل فيها تعزيزاً للانقسامات الفلسطينية، أو تستهدف نفس الشريحة المتديّنة التي تستهدفها حركة "حماس"؛ مما لم يسبب قلقاً لإسرائيل (دولة الاحتلال) أو حتى حركة "فتح" لدى عودة السلطة في عام 1994.

اقتصرت أنشطة الجماعات السلفية في البداية على الجهود الدعوية والعلمية التي تنتهجها تلك الجماعات التقليدية، والتي لا تكون جماعة بالمعنى المعروف أكثر منها حلقة علم أو درس حول داعية ما أو مؤسسة خيرية ودعوية؛ ولذلك لم تحفل بصدام كبير مع حركة "حماس" لبقاء الأخيرة خارج السلطة وخارج المشاركة في الانتخابات منذ تأسيس السلطة الوطنية؛ مما قطع الطريق على أية مزايدات من جانب السلفيين الذين يرفضون الديمقراطية، ويدعون للحُكم بما أنزل الله، بل ويقدّمه بعضهم على الجهاد ضد إسرائيل وتحرير الأرض المحتلة؛ غير أن عدم تبنّي موقف واضح وقاطع للحركة من الديمقراطية والانتخابات جعلها مأوى لأعضاء يتفقون معها في ذات القرار، لكن مِن منطلقات فكرية لا من منطلقات سياسية بحتة.

عندما وُجّهت المدافع الفلسطينية نحو فلسطين
فَتَحَ دخول "حماس" الانتخابات وتشكيلها للحكومة في عام 2006 الباب أمام حالة من المزايدة والاستقطاب شهدتها الحركات الإسلامية في قطاع غزة؛ فدخول الانتخابات والعملية الديمقراطية في حكم التحريم عند السلفيين عموماً بعكس المرونة التي تبديها جماعة "الإخوان المسلمين"، والتي تعتبر "حماس" جزءاً من تنظيمها العالمي، إلى جانب اقتراب "حركة غزة" -حركة تهدف إلى كسر الحصار المفروض على القطاع- من إيران الشيعية خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة مما جعلها محل انتقادات واسعة من السلفيين.

وحين تم الحسم العسكري في عام 2007، وانشق الكيان الفلسطيني المحرر جزئياً إلى القطاع تحت حكم "حماس"، والضفة الغربية تحت حكم "فتح"، بدأت مرحلة جديدة لعمل الحركات السلفية؛ حيث قام بعضها بحمل السلاح الذي لم يعد موجهاً فقط إلى قوات الاحتلال الصهيوني، وإنما إلى الداخل هذه المرة.

إمارة غزة الإسلامية
تم إعلان "الإمارة الإسلامية" من قِبل تنظيم "جند أنصار الله" بزعامة الشيخ "عبد اللطيف موسى" -الذي تثور حوله شبهات أنه مدعوم من حركة فتح- في أغسطس عام 2009، مما أدّى إلى مواجهات مسلحة، انتهت بمقتل "موسى" وعدد كبير من أنصاره، كانوا يتحصّنون بمسجد "ابن تيمية" جنوب قطاع غزة.

حدث هذا بعد اختطاف الصحفي البريطاني "آلان جونسون" من قِبل تنظيم سلفي آخر هو "جيش الإسلام"، الذي أسسه أفراد ينتمون لعائلة "دغمش" في قطاع غزة، غير أن حركة "حماس" تمكّنت من تسوية الأمر، والإفراج عن الصحفي بعد توسّط أحد مشايخ السلفية أفتى بالإفراج عنه.

كذلك شهدت غزة تفجيراً لعرس في شرق خان يونس، وعمليات أخرى استهدفت مقاهي الإنترنت من جماعة تُدعَى "جلجلت"، فبعد أن يرفض صاحب المكان الامتثال للتحذيرات التي تُوجّه له من الجماعة، تؤخذ فتوى شرعية تبيح عملية التفجير بشكل يضع في الاعتبار عدم المساس بالأرواح والمحيط المجاور للمكان! كذلك قام ملثمون بأعمال مماثلة كحرق معسكر صيفي للأطفال تابع للـ"أونروا" وحرق مبنى تابع للأمم المتحدة واتهامها بتشجيع الانحلال في قطاع غزة.

طرد الاحتلال يبدأ بإغلاق "كريزي ووتر"
أدّت مزايدات التيار السلفي على حركة "حماس"، واتهامها بالتهاون أمام الفجور والمنكرات، جنباً إلى جنب مع الخلفية الإسلامية للحركة، إلى إصدارها قراراتٍ خاصة كمنع النساء من تدخين الشيشة في الأماكن العامة، كما قرّرت في مارس الماضي منع الرجال من العمل في محال تصفيف الشعر الخاصة بالنساء في قطاع غزة، التي شهدت عدداً من العمليات التفجيرية، وأيضاً إغلاق منتجع "كريزي ووتر" السياحي مرتين؛ اعتراضاً على الحفلات المختلطة فيه. جدير بالذكر أن ملثمين اقتحموا المكان في فترة إغلاقه، وقاموا بتقييد حراس المنتجع، وإحراق جزء كبير منه، وإتلاف ممتلكاته، وما زالت التحقيقات جارية لمعرفة هؤلاء الملثمين الذين لا يستبعد أن يكونوا ضمن السلفية المقاتلة.

ولكنها كانت مزايدة ملغومة من جانب "حماس"؛ حيث يتم التركيز عليها إعلامياً لتشويه صورتها، وإظهارها بصورة المتشدّد "إسلامياً"، وسط حصار دولي خانق على القطاع، ومحاولة الحركة التأكيد على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني؛ لأنها جاءت بإرادته في انتخابات ديمقراطية نزيهة تفضح الغرب الذي يحاصرها ويكيل بمكيالين.

غزة الحرة مقدَّمة على غزة الإسلامية
إن وجود هذه المنظّمات السلفية المسلّحة التي تُوجّه سلاحها للداخل الفلسطيني في هذا الظرف الصعب، وتُجنّد شباباً متحمّسين من صغار السن للقيام بأعمال عنف، سيُؤكّد أية دعاية إسرائيلية بأن القطاع صار مأوى للتنظيمات الإرهابية المسحلّة المرتبطة بتنظيم القاعدة، مما يقوّي التحالف والحصار الدولي للقطاع ضد حركة "حماس"، التي لم تفرغ بعد من مواجهة اتهامات بالإرهاب، مما يضع الحركة في موقف حرج، ويدفعها لتبنّي المواجهات العسكرية ضد هذه التنظيمات، كما حدث مع "جيش الإسلام"، ومع "جند أنصار الله"، مما يضعف شعبية "حماس" ودعايتها لإنجازاتها أنها جلبت الأمن والطمأنينة للقطاع بعد الحسم العسكري في عام 2007، ويضعها في مواجهة مع هذه التنظيمات المسلحة والعائلات التي تدعمها؛ لكن التجاهل كذلك يجعلها تظهر بمظهر الضعيف أمام أنصارها، ويفقدها السيطرة على القطاع الذي سيتحوّل لجيوب متفرّقة لتلك التنظيمات.

وهنا يحضرني كلام مهم جداً للأستاذ فهمي هويدي حين تحدّث عن أولوية فلسطين المحررة عن فلسطين الإسلامية:
"بالتالي فإن الحديث عن فلسطين الإسلامية في بلد يرزح تحت الاحتلال يُعد استباقاً غير مبرر، فضلاً عن أنه قد يُثير خلافاً يشتت الجهد بما قد يصرف الناس عن هدف المرحلة المتمثّل في التحرير؛ حيث المطلب الملح هو حشد الجهود وليس بعثرتها".

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية