الأربعاء، 11 أغسطس 2010

العز بن عبد السلام - الظهور

العز بن عبد السلام –الظهور


ملحوظة لا بد منها:
السطور التالية تمثل مجرد خواطر و آراء إنطباعية فحسب و لا يمكن لي أن أدعي أنها قامت على دراسة أكاديمية تفنى فيها الأعمار و تفتر فيها الهمم كما يقولون.
من هو العز بن عبد السلام ؟
لمن لا يعرفه أعتقد أن هذا المقال على موقع إسلام أون لاين سيكون كافيا تجنبا لإطالة المقال:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1178724231109&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout


إن هدف هذه الخواطر ليس الترحم على الشيخ و لمز كثير من مشايخ عصرن ثم مصمصة الشفاه ، لكن الهدف هنا هو محاولة الوقوف على الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا النموذج من القوة السلمية الشعبية التي أجبرت السلاطين على تقديم التنازلات رغما عنهم قبل الماجناكارتا البريطانية التي صدع رؤوسنا بها أصحاب مدرسة الصدمة الحضارية التي أوهمونا فيها أن المشاركة السياسية للشعب في بلادنا لم تبدأ إلا بالاحتكاك بالغرب و حسبنا الله و نعم الوكيل!


و بما أن الظروف المحيطة في الانسان تؤثر فيه و يؤثر فيها ، لا أن الإنسان أسير لها لا يستطيع تجاوزها كما يقول الجبرية
فإن علينا أن ننظر لتلك الظروف التي أثرت في ظهور العز بن عبد السلام ، سلطان العلماء الذي تمتع بنفوذ لم يتمتع به الشيوخ من قبله:


1-تغير الطبقة الحاكمة:
1-1-بنو أمية
إذا أرخنا لبداية المُلك في الدولة الإسلامية بالعهد الأموي ، سنجد أن تلك العصبية الأموية تميزت برسوخها في لشام منذ عهد الخلفاء الراشدين كفاتحين و ولاة و تجار لهم صورة ذهنية تتسم بالهيبة و الاحترام عند العوام ، فهم أصحاب الفتوحات و النسب القرشي و هم التجار الماهرون و الساسة البارعون.
فكانت العصبية الأموية مجتمعا بأكمله لا رجال حرب فحسب و هناك ولاء عريض لهم منكثير من القبائل العربية التي ساعدتهم في حروبهم و أحلك الأزمات التي واجهوها كأزمة خروج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج فلولا المدد الذي جاء الأخير من أشراف العرب و الشام لما استطاع أن يهزم الأشعث في تلك الحرب الرهيبة التي دارت بينهما و تفسخ ذلك الولاء هو الذي ادى إلى هزيمة الأمويين في معركة الزاب في عهد مروان بن محمد لتأتي الحقبة العباسية.


1-2-بنو العباس:
حافظ بنو العباس على ذات الصورة الذهنية للملوك ، فهم بنو العباس أبناء عم الرسول و الأئمة من آله و الأولى بخلافته و وراثته كما زعموا و هم أيضا بيت علم و فضل.
بدأت استعانتهم بالموالي بعد أن تعلموا الدرس من هزيمة بني أمية و حتى أيام الدعوة لملكهم في خراسان ليلتف حولهم الفرس الذين كانوا يرون أن العرب استأثروا بالحكم و النفوذ أيام الأمويين.
لكن وجودهم كان في حدود كونهم جندا أو ساسة يدينون بالولاء و الخضوع للعباسيين ، أي أنهم كانوا دوما في مرتبة أدنى في عهد الخلفاء الأقوياء كأبي جعفر المنصور و هارون الرشيد و ما مقتل أبي مسلم الخراساني و محنة البرامكة تحتاج إلى ذكر.
لكن بعد امتداد الخلافات في البيت العباسي و استباحة دمه و حرمته ، ضاعت هيبة العباسيين أمام الفرس و استفحل نفوذهم بعد المأمون حتى وصلوا إلى درجة الاستقلال الكامل عن الدولة ، بل السيطرة عليها في عهد بني بويه ليبدأ عقد الدولة في الانفراط.


1-3-الدول المستقلة:
مثلت الدول المستقلة ظاهرة شائعة في العصر العباسي الثاني ، بعد أن كانت الأندلس و المغرب –في بعض الأحيان- محض استثناء ، فبرزت دول مستقلة في الشام و مصر و وسط آسيا ، بل وصلت المهزلة إلى حد قيام ثلاثة خلفاء في وقت واحد ؛ العباسي في بغداد و الأموي في قرطبة و الفاطمي في القاهرة!
كانت لبعض هذه الدول قائمة عصبية عرقية في ممالكها كبني بويه الفرس و الحمدانيون العرب في الشام و هي التي حاول ابن خلدون أن يضع لها نموذجا في مقدمته ، بينما كانت هناك دول أخرى نتجت من انقلابات عسكرية أو تمرد عسكري كالطولونيين و الإخشيديين في مصر و الدولة النورية في الشام التي ما كانت عصيبيتها إلا عصبيات المماليك ، أستاذهم القوة و خشداشهم السيف.
أي أننا الآن أمام عصبية جديدة للحكم غالبا ما تنشأ بينها النزاعات و المعارك ، و لا تجيد –غالبا- إلا استعمال السيف ، لهذا فكل فريق متصارع من هؤلاء يحتاج للفلاحين و التجار لدعمه و تمويل مشاريعه في السيطرة ، حتى أملاك هذه الطائفة الخاصة يحتاج لعدد من الكُتّاب و الحُسّاب و الفلاحين لمباشرة هذه الأملاك.
من هنا أصبحت الحاجة أكبر لأصحاب السيف لإقامة تحالفات مع القوى المحلية .



2-تغير المجتمع:
حين بدأ العهد الأموي فاصلا بين الأمة و السياسة و قصرها على الملك القائم على العصبية ، ظهر ميل واضح من كثير من مشايخ هذا العصر و ما تلاه إلى عدم الخوض في الفتنة و القتال بين المسلمين كابن عمر و الحسن البصري و غيرهم.
بدا في ذلك الوقت أن الأمة بدأت تستقل شيئا فشيئا بالشأن الديني بعد أن كان الإسهام الأكبر فيه للحكام الذين كانوا أصحابا لرسول الله و أفقههم بالدين ، فظهر كثير من العلماء الذين اعتزلوا الفتن كما ذكرنا و عللوا موقفهم بحقن دماء المسلمين خاصة بعد حدوث العديد من المعارك و المجازر التي راح ضحيتها آلاف الضحايا.
و حافظ كثير من العلماء على البعد عن السلطة و رفض ولاية القضاء خوفا من الفتن كأبي حنيفة النعمان و إن حاولوا ان يبقوا شعرة بينهم و بين أهل السلطان و ينصحوهم كالحسن البصري مع الحجاج و مالك مع أبي جعفر المنصور.


و انتشر أدب النصيحة و تم تأليف الكتب فيه ككتاب التبر المسبوك للغزالي و سراج الملوك لأبي بكر الطرطوشي و غيرهم ممن كانوا يفعلون ما بوسعهم في هذا الوقت و هو أدب النصيحة ، فلم يكن هناك بديل آخر للاعتراض على جور الحاكم سوى الخروج عليه بالسيف و نتائجه كانت وخيمة و رهيبة لا يقدر أحد منهم على تحمل تبعاتها.
و في المقابل لم يجعل الخلفاء من ضمن سياستهم فرض فتاوى بيعنها على العامة خارج نطاق القضاء إلا بعض الاستثناءات كما فعل أبو جعفر مع مالك في فتوى طلاق المكره حيث اعتقد البعض أنه فتوى مستترة لتأييد الخارجين عليه أو كما فعل المأمون في محنة القرآن.


و بمرور الزمن و ظهور مؤسسة الوقف ظهر بعض الاستقلال بمجال التعليم و نتيجة الفوضى و الحروب التي حدثت في العصر العباسي الثاني ، ظهرت حركات الفتوة كالعيارين في العراق و الأحداث في الشام و الآخيان في آسيا الصغرى ،تراوحت طبائعهم من الفتوة الخالصة إلى أعمال الشغب و نهب أموال الناس و لشدة قوتهم في ذلك الوقت ، اعتمد عليهم الخليفة الناصر لدين الله العباسي في تقوية مركزه فاعترف بالفتوة و نسبها لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه و كانوا قوة فاعلة أثناء الاضطرابات التي سادت الشام أيام الحرب الصليبية أو آسيا الصغرى أيام الغزو المغولي.


لكن رغم نمو المجتمعات العمرانية في المدن الإسلامية و توثق عراها بين صلات قرابة تقليدية إلى طرق صوفية مرورا بطوائف الحرف و حركات الفتوة ، إلا أن هذه الهيئات لم تنبت في يوم و ليلة و لم تشعر بحاجة هذه العصبيات المملوكية فجأة ، فلماذا لم يكن لها اهتمام فعال بالسياسة و الأحداث الجارية في مجتمعاتها و لما ظهرت قوتها متجلية في تلك الفترة التي واكبت ظهور العز بن عبد السلام و اقتصر
رد فعلها على منهج اعتزال الفتن الذي ميز أهل السنة منذ العهد الأموي.
الإجابة عند سفن الصليبيين و خيول المغول.



3-تغير الظروف الخارجية:
لم يكن حفظ جماعة المسلمين هو العامل الوحيد الذي دفع عوام أهل السنة و أئمتهم إلى اعتزال الفتن و الحروب ، بل كذلك حفاظا عل الإسلام نفسه أن يضيع حين تضعف قوة المسلمين و يصبحون لقمة سائغة في فم الأعداء ، فتميز الأمويون بفتوحاتهم الكبيرة التي جذبت الكثير من المتطوعين لنشر الإسلام ، حتى العباسيون حين سُدت أمامهم السبل للغزو و الفتح استمروا في عادة الصوائف و الشواتي إرهابا للروم و استمرارا في الجهاد.


بهذا الميراث الكبير من تسويغ الخضوع للمستبد طالما انه يحفظ بيضة الإسلام ، نظر عوام المسلمون للحروب بين العساكر الذين تسلطوا عليهم على أنها حروب فتنة لا تعنيهم بينما كان الغزو الخارجي من الكفار أمر يستوجب التطوع للجهاد و ابتغاء الشهادة في سبيل الله و يظهر هذا جليا في مقاومة المصريين لحملة لويس التاسع و انصرافهم عن الصراع بين توران شاه و مماليك أبيه الصالح نجم الدين أيوب.
سيرة العز بن عيد السلام نفسه تنبؤنا انه رجل عادي تولى الخطابة في دمشق و كان العلاقة بينه و بين السلاطين جيدة ، لكن حين مال الصالح إسماعيل لخيانة المسلمين و الخضوع للصليبيين ، كان هذا إيذانا بعصر جديد ظهر فيه سلطان العلماء ليستفيد من كل تلك التغيرات التي استنتجناها.
فالشام تبع للصالح أيوب لأنه ليس كالصالح إسماعيل مالأ الكفار و خضع لهم و تنازل لهم عن أرض من أراض المسلمين.


و حين أراد العز أن يباع المماليك لصالح بيت المال لأنهم عبيد أرقاء ملك لبيت المال رفض نجم الدين أيوب فخرج العز بأهله و سار حوله طلاب حلقته و التجار و خلق كثير فخشي السلطان نجم الدين أيوب على ملكه ، ذلك الكردي الذي يحكم بلدا لا عصبية له فيه و جذوره عمرها بضعة أعوام فكر جيدا ماذا يمكن أن يصنع لإعالة جيش هائل من المماليك أستاذهم المصلحة و خشداشهم السيف إذا ذهب التجار و الصناع إلى غير رجعة ، فخرج الصالح وراء العز و استرضاه فتم للعز ما أراد ليسن للأزهر سنة النيابة عن عوام الناس و أنهم يقدرون على حمل الحاكم على إرادتهم إذا رفض النصيحة و إذا لم يتأثر بالقول الجريء أو الحكمة البليغة كما كان هذا طبع العلماء مثل الطرطوشي أيام الدولة الفاطمية فيحملونه على الجهاد أيام الحرب و يحملونه علىامر الشريعة أيام السلم، و كان ابن تيمية مرشحا لهذا الدور بشدة بعد العز خاصة بعد دوره الكبير في حث الناس على الجهاد ضد التتار في دمشق ، لكن حزازات العلماء و تنقل الشيخ من سجن إلى آخر و كثرة وثوب المماليك على بعضهم حال دون ذلك و اختلفت تلك العوامل الثلاث على مدار الأعوام إما في صالح ظاهرة سلطان العلماء أو ضدها حتى ظهرت في أوجها حين قاد عمر مكرم عملية خلع الوالي العثماني و اختيار آخر جديد و بعدها هزيمة الانجليز و حملتهم الشهيرة، لكن الوالي الألباني استطاع أن يصبح التاجر و صاحب الأرض و الدكان و مد نفوذه في البلد كلها بعد أن صفى كل القوى فيها و أقام حكومة فنت فيها إرادة الأمة و لم يثرهم حافز الجهاد و خلعه إذ اكتفى الغرب بنزع أنيابه فحسب و معها قلب مصر و فلذات أكبادها.
و ما يحضرني سوى قول الله يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم
صدق الله العظيم

التسميات: