الإضراب...كمان مرة
أكتب هذه التدوينة و لا أتوقع نجاحا كالمرات التي سبقتها.
دعوت من قبل لقراءة التاريخ من شهرحين نشرت التدوينة السابقة عن الإضراب في أحد المنتديات لكن ما من مجيب .
الموقف الذي نحن فيه حدث قبلا في عهد الدولة العثمانية في مصر؛حين كان المماليك من يتحكمون في الأمور و الباشا العثماني لا حول له و لا قوة في قلعة الجبل.
المهم أنه اشتد ظلم محمد بك الألفي و طبعا كله على حساب الخلق و بفلوس الضرايب اللي زادت على الحد.
فذهب شيخ الأزهر إلى إبراهيم و مراد بك فلم يكترثا لللأمر.هنا يصل الموقف إلى أن شيخ الأزهر الذي كان يلعب دور المثقف و السياسي و الفقيه و الزعيم الشعبي الشيخ الشرقاوي (ربنا يسامحه بس ده مش موضوعنا) هيج الناس اللي مخنوقة أساساو قفلوا الجامع الأزهر قفلوا المتاجر (أي ما نسميه اليوم الإضراب العام) و تزاحموا أمام بيت إبراهيم بك.:
فجمع الشيخ الشرقاوي علماء الأزهر وتشاوروا في الامر مليا، فانتهوا إلي إنذار الامراء جهرة بالمقاومة، واتفقوا علي اغلاق ابواب الجامع ودعوة التجار، واعلان ما نسميه اليوم 'الاضراب العام'. ثم ركب الشيخ الشرقاوي والعلماء في اليوم التالي وتبعتهم الجماهير إلي منزل الشيخ السادات لإشراكه واشراك اتباعه معهم في مقاومة الامراء حتي يستجيبوا إلي مطالبهم،
وكان لإبراهيم بك كبير الامراء قصر بجوار بيت السادات فرأي هذه الجموع التي لا تكف عن التجمهر وهالته كثرتهم، فارسل يسأل عن سبب اجتماعها، فلما علم بالسبب لم يجسر علي الذهاب بنفسه إلي مكان الاجتماع واناب عنه الدفتردار ايوب بك للاستماع لأقوال العلماء والسعي في تحقيق مطالبهم ، فعلم منهم انهم يريدون كف المظالم وصيانة الاموال والارواح ورفع الضرائب والمكوس، إلا ما يرتضيه الرعية. فخاطبهم ايوب بك في تخفيف بعض المطالب والاكتفاء بتعجيل بعضها مما يستطاع انجازه لوقته، وقال: ان رفع المكوس والضرائب دفعة واحدة متعذر، وانه قد ترفع شيئا فشيئا، وإلا 'ضاقت علينا المعايش والارزاق'
فصارحه العلماء قائلين: ان الامراء ينفقون الاموال فيما لا حاجة به فلا خير فيه. وما الحاجة إلي انفاق المال في البذخ و الترف والاستكثار من الجواري والمماليك؟
ان الاميريعطي ولا يأخذ ما في ايدي الناس وان الانفاق علي اللذات وضروب الزينة الخاوية اسراف وسفه.
خلع الطاعة:
في ذالك المجلس لم يستمع العلماء جوابا شافيا، فباتوا ليلتهم في حرم المسجد علي ان يخرجوا في الصباح إلي الميادين والساحات العامة معلنين الامراء بخلع الطاعة والاستجابة إلي احكام الشريعة فبادر ابراهيم بك إلي طلب المعذرة منهم، واحال التبعة في رفض مطالبهم إلي إصرار المخالفين له من امراء المماليك وعلي رأسهم شريكه في الحكم مراد بك وابلغهم انه يؤيدهم ويحارب في صفوفهم اذا اصر المخالفون علي الرفض والمراوغة،
وكاشف مراد بك في الامر مستحثا له عمل شيء عاجل لتهدئة المدينة قبل انفجار الشعب كله بالعصيان.وكان الباشا الاكبر الوالي العثماني يرقب الحالة لينظر ما يصنعه امراء المماليك لتدارك الخطر قبل استفحاله، فلما كان اليوم الثالث ولم يصنعوا شيئا:
قصد الباشا إلي قصر ابراهيم بك وجمع هناك كبار الجند واصحاب الكلمة النافذة في عساكر المماليك وارسلوا إلي العلماء والرؤساء يدعونهم للمشاورة ويعدونهم بإبرام الامر علي ما يحبونه وحضر من رؤسائهم كل من الشيخ الشرقاوي، والشيخ الامير، والشيخ السادات، والسيد عمر مكرم، والشيخ البكري، وهم نواب الامة المختارون لهذه الملمات وانفض الاجتماع بعد طول الاخذ والرد بقبول ما طلبه العلماء وكتابة موثق بذلك علي الامراء ان يتبعوه ولا يخالفوه، ووقعوا جميعا علي 'الحجة الشرعية' التي تسجل هذا الموقف وخلاصتها : ان يدين الامراء بقضاء المحاكم في قضايا الحقوق، وان تفرض الضرائب بموافقة الرعية علي حسب الاحكام الشرعية، وان يمتنع حرمان الحاكم علي المحكومين بغير جريرة، وسميت هذه الوثيقة 'بالحجة الشرعية' علي عادة قضاة الشريعة في تسمية هذه العقود.
ثم نختتم بقول راوينا الجبرتي في رائعته عجائب الآثار:"وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الأسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك. "
و الله على ما أقول شهيد.
ثم نختتم بقول راوينا الجبرتي في رائعته عجائب الآثار:"وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الأسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك. "
و الله على ما أقول شهيد.
كتبته في مايو عام 2008 و لا أتوقع تغيرا كبيرا في مايو 2009
التسميات: سياسة